إفني: قمع واعتقالات مرة أخرى ، من أجل نضال مع الجماهير وليس بمعزل عنها

« ليس من الضرورة أن يموت إنسان واحد من أجل أن تنتصر الحرية. لكن يحدث أنه يجب تقبل خطر الموت لكي تولد الحرية ». (فرانز فانون، من أجل الثورة الإفريقية).

ضريبة سجن ثقيلة كانت جواب نظام الاستبداد السياسي على مطالبات معطلي إفني بحقهم في التشغيل. ثمانية مناضلين من الفرع المحلي للجمعية الوطنية وناشطي حركة 20 فبراير تم اعتقالهم وتعذيبهم وزجهم في السجن بعد تنظيمهم لاعتصام بميناء مدينة سيدي إفني.

كان جواب النظام سريعا، فهو لا زال يتذكر اعتصام سنة 2008 والثمن السياسي الذي أداه من أجل تفكيك الدينامية النضالية التي أطلقها بالمدينة والاستنكار الواسع الذي جلبه القمع الشرس الذي واجه به انتفاضة المدينة تضامنا مع المعتصمين.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها المخزن على تحويل نضال الجماهير بإفني (و بتازة وآيت بوعياش.. أيضا) إلى مواجهات شوارع ويستثير فيها عن عمد رد الفعل العنيف لدى الجماهير قصد تبرير القمع وتصفية الحسابات مع المناضلين المدرجين في لوائحه السوداء، وهو ما أكده بيان المعتقلين من داخل السجن بتزنيت.

لكن، الأهم هنا هو تكتيكات حركات النضال وليس مناورات النظام. انتفاضة إفني لسنة 2005 وما واكبها من هزيمة للمخزن أمام عزيمة الشباب المسلح بالحجارة ولكن بشكل أساسي بخيبات أمل من تحقيق مطالبه، طبعت هذه الانتفاضة نضال الساكنة بهذه المدينة بسمة أساسية وهي أن السلاح الرئيسي هو المواجهات البطولية وملاحم معارك الشوارع، وهو ما زكته مشاهد المواجهات في انتفاضة 2008، وأصبح معيار النضال الحقيقي لدى مناضلي المدينة هو التسلح بالحجارة ومواجهة الاستبداد بشكل مباشر في الشارع.

تعززت صفوف المقصيين بمئات من الشباب كانوا أطفالا عندما اندلعت انتفاضة 2008، وهم يسمعون عن تلك المواجهات البطولية من أفواه من عايشوها كمن يصغي إلى أساطير ملهمة، وهم يودون أن يعيشوا نفس التجربة، وخارج أي تأطير سياسي ومواكبة تنظيمية ستتبدد طاقة نضال هؤلاء في الشباب في مواجهات مع الشرطة بغير جدوى.

إن شجاعة هؤلاء الشباب وعزيمتهم التي قدت من فولاذ تستحق منا كل الإعجاب، ولكن يجب التذكير بأن النظام المسلح من أخمص قدميه حتى رأسه بكل أنواع الأسلحة والأجهزة القمعية، لا يخشى من المواجهات بالحجارة.. بل يحبذها ويعمل على استثارتها قصد تبرير مخططات القمع وعسكرة المدينة، ومن ثمة قطع طريق تعبئات شعبية جماهيرية، تجمع كادحي المدينة رجاء و نساء ، شباب و شيوخا…

إن ما يخشاه النظام هو تنظيم الجماهير في تنظيماتها الذاتية وانخراطها الجماعي بالآلاف والملايين في النضال، انخراط واعي بكل جوانب مطالبها. لا وجود للجماهير خارج تنظيماتها، وخارج هذه الأخيرة ستتحول الجماهير إلى كتلة قابلة للتلاعب بها، وعرضة للاستغلال وتحريف تحركاتها نحو أعمال تخريب وكسر، يستغلها الإعلام الرسمي لتشويه صورة النضالات وتخويف الجماهير منها.

ما يخشاه النظام أكثر هو التحام طلائع النضال مع الجماهير المستاءة من أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والمتذمرة من القمع السياسي وانعدام الحريات، التحام من شأنه أن يلقح هذه الجماهير بالوعي السياسي ويمدها بالخبرات والتجارب المتراكمة لدى هذه الطلائع.

يعمل النظام على عزل هذه الطلائع عن الجماهير المستعدة للنضال، وذلك بتقسيم صفوفها وتجزيئها إلى فئات (كما هو الشأن مع المعطلين وفئات شغيلة التعليم). ويترك بذلك الجماهير فريسة الانتظار وأيضا فريسة الدعاية الإعلامية لأبواقه بأن تلك الطلائع لا تهمها مصلحة الجماهير بقدر ما تهمها مطالبها الخاصة. التضامن يستدعي نقذ الذات

ثمانية معطلين مآزرين بأربعة عشر مناضلا من الإطارات المناضلة هم من قاموا بسد طريق المرور بالميناء أمام الشاحنات، أين هي الآلاف التي خرجت في سنوات 2005 و2008؟ أين هي قاعدة حركات النضال ضد البطالة التي تعد بالمئات؟ أين هي الشبيبة التلاميذية التي خاضت نضالات جبارة تضامنا مع معتقلي 2008؟ أين هم التجار الصغار الذين يستجيبون بعفوية لنداءات الإضرابات العامة؟.

أليست خطوة سد الميناء هذه انعزالا عن هذه الجماهير؟ وهو ما يسهل مأمورية النظام في قمع مثل هذه المبادرات. إن اعتصام الميناء لسنة 2008 كان في سياق مساعد، وهو تراكم خيبات انتظار تحقيق مطالب السكرتاريا المحلية منذ 2005 وما أثارته عملية توظيف انحصرت في ثمانية مناصب لكتلة كبيرة من المعطلين فاقت الألف معطل، إضافة إلى وحدة الصف الذي لم تشتته آنذاك مناورات المخزن على غرار مناورات الانتخابات الجماعية لسنة 2009. وانتفاء تلك الشروط هو سبب فشل معتصم الميناء الثاني في غشت 2008 وهو نفسه سبب فشل المعتصم الأخير.

لقد سبق و أبدينا رأينا مخاطبين مناضلي المدينة متسائلين عن جدوى الخطوات النضالية المنعزلة عن الجماهير، و ذلك في منشور بمناسبة عزمهم على منع مهرجان إفني، وأكدنا أن أي مبادرة نضالية يجب أن تكون مع الجماهير ومسبوقة بتعبئة نضالية واسعة.

حتى في الثورات الناجحة، لم يبادر الثوريون إلى الاستيلاء على السلطة والدخول في مواجهة مسلحة مع قوى النظام القديم، إلا بعد ضمان ولاء أغلبية جماهير البلد، وإلا سيؤدي انعزالهم إلى هزيمة مأساوية كما وقع لكومونة باريس 1871.. حتى الدول لا تدخل في حروب إلا بعد ضمان موافقة الأمة كلها واستعمال كل وسائل الدعاية الإيديولوجية من مدارس وإعلام ومؤسسات دينية وعزل مناوئي الحرب عن الجماهير بحرمانهم من حق التعبير ورميهم في السجون والمنافي.

فكيف إذن نريد أن نخوض معركة ضد أعتى الأنظمة القمعية في المنطقة بثمانية مناضلين مآزرين بأربعة عشر مناضلا، أليس في ذلك مجازفة (قد تستحق الإعجاب بشجاعة هؤلاء المناضلين)، ولكنها لن تؤدي سوى إلى الهزيمة المحققة، وهو ما سهلته الشروط المحلية حيث استطاعت السلطة نزع فتيل حركات النضال ضد البطالة بالمدينة بتقديمها وعود « بتشغيل عدد من مناضلي الفرع المحلي للجمعية الوطنية بإحدى شركات الميناء، وامتد التسويف لأشهر عدة الشيء الذي دفع بمناضلي الفرع الذين نفذ صبرهم إلى خوض اعتصام بالميناء ». (تقرير المجموعة المحلية لأطاك المغرب).

إن النضال المثمر ليس ترك الجماهير وراءنا بمبرر خنوغها واستكانتها وتصعيد النضال مائة خطوة إلى الأمام بانفصال عنها، وإنما مصاحبة هذه الجماهير في كل خطوات النضال ومراعاة درجة وعيها واستعدادها النضالي.. رغم أن جماهير إفني تتمتع باستعداد نضالي قل مثيله، فما أن اعتقل المعتصمون حتى هبوا في وقفات ومسيرات ليلية حاشدة.

« في كثير من الأحيان يجد الثوريون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع السلطة، وحدهم في ميدان المعركة من دون مساندة جماهيرية تذكر، حينها عليهم أن يسعوا جاهدين لكسب الآخرين لهذه المعركة بكل السبل الممكنة. لكن الكارثي في هذه الحالة أن يسبقوا الجماهير ويصعدوا النضال من دونهم، بل والأنكى أن « يفرضوه » عليهم ». (هل تنجح الثورة بدون جماهير؟، موقع الاشتراكيون الثورين/ مصر).

ليس من الضرورة أن يعتقل إنسان واحد من أجل نيل المطالب.. لكن يحدث أنه يجب تقبل الاعتقال لكي تتحقق.. لكن هذا لا يعني أن نفتعل لأي سبب، حتى ولو كان نفاذ صبر المعطلين بعد تماطل السلطة في تنفيذ الوعود، فرصا نمنحها لنظام يتحين الفرص لاعتقال المناضلين.

إن مكان المناضلين هو الشارع لأجل توعية الجماهير وحفز نضالها، وليس بالغرف الباردة بالسجون.

الحرية لمعتقلي معتصم ميزان الميناء بمدينة سيدي إفني

الحرية لكل معتقلي النضال الاجتماعي ولمناضلي حركة 20 فبراير

المراسل.

Cet article a été publié dans badil tawri. Ajoutez ce permalien à vos favoris.

Laisser un commentaire